أنا الخارج عن طاعة
كان يعزني كثيرا و كأني ضوء عينيه، لأني كنت الإبن الوحيد لديه، سابع أخواتي الستة. كان يبعدني دائما عن أمور المزرعة و الرعي، فكلما حاولت أن أساعد أخواتي و أمي في أمور المزرعة إلا ونهاني عن ذلك بغضب شديد، لأنه كان يريدني أن أتفرغ لتعلم العلوم العربية و أن احفظ القرآن الكريم في مسيد القرية كي أحظى برضاه و باحترام و تقدير شيوخ القرية و ساكنتها قاطبة، أو عساني أفوز بولاية أمورالمسيد من بعد موت الفقيه..لكني خرجت عن طاعته،خيبت آماله و أحلامه الكبيرة،سعفته في كل شيء إلا في هذه، فقد رفضت رفضا باتا أن أولي وجهي في يوم من الأيام قبل المسيد...ولو رجموني أو ذبحوني ، لأن المسيد وقتها بالنسبة لي بل بالنسبة لكل أقراني الأطفال، كان عبارة عن مشهد مصغر من مشاهد جهنم الرهيبة الموصوفة في الكتب المقدسة...
كان مسيد قريتنا آنذاك عبارة عن بيوت شبه مظلمة، بيت خصوصي لخلوة الفقيه لا يلجه آدمي كبر شأنه أو صغر، و بيت للجماعة خاص بالولائم و بمبيت عابري السبيل و بيت للكتابة و القراءة بمتابة زنزانة تمارس فيها جميع أنواع العذابات،لا العبادات،وبعض فتاوي الكسب و المعاملات في بعض الأحايين. كل هذه البيوت مفاتحها معلقة كصلبان نحاسية مربوطة بحبل متين بعنق الفقيه الذي لا يفقه في تفسير الدين إلا مصادفة،هذا الماهر في قراءة الكف وكتابة الأحراز للنساء فقط وكذلك بعض الرجال المتنسويين ،و يروى عنه كذلك أنه كان كثير التيمم و التجهم، لا يؤذن في الناس إلا نادرا وماهر كذلك في تعذيب الصبيان، أجوف فارغ، كل ما برصيده الفكري و التربوي، سوط و هراوة و قد زخرف هذه الأخيرة بخط مغربي أصيل ( العصا لمن عصى )، لا شفقة عنده و لارحمة كل يوم يقيم مأتما للأطفال الصغار الذين يعدون بمتابة ملائكة ،يصلبهم و يجزرهم واحدا واحدا و لو لأبسط الأسباب و يشاع كذلك أنه(.......و الله أعلم )
أذكر أن عيني رصدته ذات مرة و ما أكثر مراته المُرة ، ملامحه ثعلبية عاصية و قاسية كشيطان رجيم... يجري ويلهث ككلب مسعور وراء طفل صغير هارب من قبضته ،مقيد الرجلين بسلاسل من حديد، الدم يقطر من ثقب أنفه و من مؤخرة رأسه...الطفل يصرخ طالبا النجدة و الشيخ القاسي يصهل بأعلى صوته المتوحش و قد سقطت عمامته من فوق رأسه الأصلع:!أوقفوه !أوقفوه !
هرول الطفل دامي الكوعين أمام شيوخ القرية وكانوا مجتمعين تحت ظل حائط المسيد ،منهم من يشتغل بفتل الحبال و منهم من يلعب( الضاما) داخل البهو المؤدي إلى بيت الولائم،،كلهم هزهم النداء بما فيهم أب الضحية الذي كان بمعيتهم تحت الظل ، سرعان ما وقفوا متأهبين عاقفين أيديهم وراء ظهورهم يهتفون بصوت موحد :زده...زده ...زده ، الله يرحم والديك و يطيل عمرك يا فقيه !
عبدالعالي أواب /اليوسفية: أبريل 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق