الثلاثاء، 29 يونيو 2010

وجه أمي

وجه أمي

مذ فتحت عيني فتحتهما على وشم أخضر بين حاجبين رقيقين كهلالين إلتقيا ليلة عيد على مشارف عينين مليحتين كقطعتي زمرد تضيء وجها قمريا مشعا كاللجين .
إنه وجه أمي، نعم تلك المسكينة التي كانت تحملني على ظهرها الأرجوحة ليلا و نهارا ،ترضعني بلا من و لا ملل و تزغرد لي كلما بللت ثيابها برشات بولي ، تصبر لشقاوتي، لركلي و عضي، تحاول عبثا أن تنومني و تستريح مني قليلا كي تنعم بقسط و لو قليل من الراحة ، لكن ما أشقاني أنا الصبي العنيد والمتمرد دوما عليها وحدها دون غيرها من الأنام، عيني دائما جاحظتان لاتغفوا و لاتقرا إلا سهوا، لا أدري لماذا؟ لربما تحرسها مخافة أن يخطفها احد مني أو تهرب عني ذات يوم إلى المشاغل، لتتركني في حضن أخواتي الست يتقاذفنني كالدمية .
أذكر أنها ذات مرة كانت تطحن و تغني لي ،بيمناها كانت تمسك المقود ، تدور فك الرحى ، وبيسراها تدلعني بضربات خفيفة على مؤخرتي و أنا محمول في أمان بقماط على ظهرها المقعس :
( نيني يا مومو نيني حتى يطيب عشانا و لا ما طاب عشانا يطيب عشا جيرانا ….)هي تدور الرحى وتردد الأهزوجة و أنا اتدلى من على ظهرها، أركل برجلي و يدي و أبكي من كثرة الدلع .
لا أخفي أني كنت أتوفق دائما في غلبها و التمرد عليها و خصوصا في غياب أبي الذي لا يعرف لغة الشفقة
ذات يوم مشؤوم قسا قلبها و لم ترحمني، تلك الحنون التي كانت تنهشني بقبلاتها المجنونة، قبلة تخلط فمي و أنفي وكل مساحة وجهي ، و ثانية كالرعشة بصدري وثالثة بحجري الرخوالمبلل ، دائما تعاقبني بالقبل حتى ينقلب بكائي إلى ضحك هستيري ...
نعم قسا قلبها بحيث استبدلت حليبي العذب الأبيض بقطران أسود مر، وضعته لي على جنبات الحلمة و قالت لي خذ الثدي، ارضع أو ابتعد عني …بكيت و بكيت ، توسلت إليها لكنها أصرت على فعلتها الشنعاء و ناولتني قطعة خبز من ذاك الطحين


عبدالعالي أواب: 21/مارس/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق