وجه أمي
مذ فتحت عيني فتحتهما على وشم أخضر بين حاجبين رقيقين كهلالين إلتقيا ليلة عيد على مشارف عينين مليحتين كقطعتي زمرد تضيء وجها قمريا مشعا كاللجين .
إنه وجه أمي، نعم تلك المسكينة التي كانت تحملني على ظهرها الأرجوحة ليلا و نهارا ،ترضعني بلا من و لا ملل و تزغرد لي كلما بللت ثيابها برشات بولي ، تصبر لشقاوتي، لركلي و عضي، تحاول عبثا أن تنومني و تستريح مني قليلا كي تنعم بقسط و لو قليل من الراحة ، لكن ما أشقاني أنا الصبي العنيد والمتمرد دوما عليها وحدها دون غيرها من الأنام، عيني دائما جاحظتان لاتغفوا و لاتقرا إلا سهوا، لا أدري لماذا؟ لربما تحرسها مخافة أن يخطفها احد مني أو تهرب عني ذات يوم إلى المشاغل، لتتركني في حضن أخواتي الست يتقاذفنني كالدمية .
أذكر أنها ذات مرة كانت تطحن و تغني لي ،بيمناها كانت تمسك المقود ، تدور فك الرحى ، وبيسراها تدلعني بضربات خفيفة على مؤخرتي و أنا محمول في أمان بقماط على ظهرها المقعس :
( نيني يا مومو نيني حتى يطيب عشانا و لا ما طاب عشانا يطيب عشا جيرانا ….)هي تدور الرحى وتردد الأهزوجة و أنا اتدلى من على ظهرها، أركل برجلي و يدي و أبكي من كثرة الدلع .
لا أخفي أني كنت أتوفق دائما في غلبها و التمرد عليها و خصوصا في غياب أبي الذي لا يعرف لغة الشفقة
ذات يوم مشؤوم قسا قلبها و لم ترحمني، تلك الحنون التي كانت تنهشني بقبلاتها المجنونة، قبلة تخلط فمي و أنفي وكل مساحة وجهي ، و ثانية كالرعشة بصدري وثالثة بحجري الرخوالمبلل ، دائما تعاقبني بالقبل حتى ينقلب بكائي إلى ضحك هستيري ...
نعم قسا قلبها بحيث استبدلت حليبي العذب الأبيض بقطران أسود مر، وضعته لي على جنبات الحلمة و قالت لي خذ الثدي، ارضع أو ابتعد عني …بكيت و بكيت ، توسلت إليها لكنها أصرت على فعلتها الشنعاء و ناولتني قطعة خبز من ذاك الطحين
عبدالعالي أواب: 21/مارس/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق