ثَبَتَ أنَّهُ وَجْهي
وجهٌ ضاربٌ في السُّمرةِ كوجهي، هو ذاهبٌ و أنا آيبٌ، تقابلنا عينا لعين ، حيّاني ببشاشةٍ تحيةً حسنةً ، و كأنَّ له صلةً قويةً أو معرفةً سابقةً بي، سهوا لم أرُدْ بأحسنَ منها لأنّي ـ شاردا ـ سرحتُ بخيالي جاحظَ العينينِ أتفرَّسُ ملامحَهُ بتملّي ..
لا، لا.. هذا الوجهُ ليس غريبا عنّي البتَّة. إنه جدُّ راسخٍ بمخيلتي. لكن، من هو إذن؟ من يكون ؟ لا أدري!
بعد حصافةٍ عميقةٍ و تأملٍ شديدٍ ثَبَتَ أنَّ ذاك الوجهَ وجهي ...
ثابتا كالأيقونة و الأرض تدور بي، دائخا و لا أحد يعرف ما بي، وقفت بُرهة متحسرا على ذاك الأنا الذي فاتني أن أعانقه بحرارة المحب ، يدي على خذي و عيناي شاردتان تخترقان زحام الشارع الطويل المكتظ بالأرهط من كل عرق و جنس.
كالمعتوه، مهرولا أهذي عدت بأدراجي إلى الخلف، كمن أصابه مس أو خلل بالمخ، تارة أتحسس وقع خطاي على الأرض، و أخرى أتفحص الوجوه المارة من حولي وجها بوجه.
لا بد سألقاه ! من هنا مر..
وددت لو أسال الناس عما أبحث عنه، لكن ليست لي علامات محددة أدلي بها سوى ملامح و قسمات الوجه، لم أنتبه لباقي المواصفات، فحتى الهندام لم أتذكر شكله و لا حتى لونه، ما أتذكره هو أنه كان يحمل بيمناه حقيبة سوداء.
همت من شارع لشارع و من درب لدرب أسأل عن أنا الآخر الذي فاتني أن أستوقفه.
فكلما اطمأننت لشخص، أبادر بالسؤال : "من فضلك هل رأيت شخصا مر من هنا يحمل حقيبة سوداء؟؟"
منهم من يخزيني بنظراته مبتعدا مني ومنهم من يقترب مني شفقة، سائلا إياي عن بعض الأمارات.
هناك في نهاية الشارع الطويل تحلق من حولي زمرة من الناس، فرحت بسعة صدرهم و برغم الحرج، مددت لهم وجهي المتعب ليتفرس مخاطبا إياهم:
"انظروا إلى وجهي مليا..تأملوا ملامحي جيدا، إن الذي أبحث عنه يشبهني كثيرا ، كأنه توأمي ، بل و كأنه أنا ..لا فرق بيننا. العينان.. ذابلتان، الحاجبان.. قصيران، الأنف.. أفطس، الوجه .. شاحب و مجعد. هل رأيتموه؟؟
بعد تأمل وتفحص دقيق في ملامحي أكدوا لي جميعا أنهم لم يسبق لهم أن رأوا مثل هذه "الماركة" إطلاقا!
اليوسفية: 01 يوليوز2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق